Tuesday, August 14, 2012

بجنــــون


قبل بضعة أشهر صادفني بوستر فيلم Like Crazy  في ألبوم لصديقتي فاطمة، أعجبني البوستر كما أعجبها، ثم أعجبني أن أشاهد هذا الفيلم لأجل براءة (آنتون يلتشن ) و التعرف على هذه الـ (فيليستي جونز) فوضع الفيلم في قائمة الأفلام التي أنوي مشاهدتها.
هكذا مرت الشهور و الأيام و أنسى الفيلم تمامًا، حتى تعثرت مجدداً في البوستر و قررت أن أرتكب هذه الجريمة و أشاهده، و قد كان ..




بداية ناعمة تليق بفيلم عن شابين في مقتبل حياتهما يقعان في الغرام بصورة تلقائية بريئة بسيطة. (آنا) تترك لـ (جايكوب) رسالة على زجاج سيارته تختتمها بملحوظة: "أرجو ألا تظنني مجنونة". يبتسم (جايكوب) و يهاتفها ليلتقيا لقاءهما الأول ..
الموسيقى التي تغني عن الحوار كثيرة بالفيلم. مشاهد سريعة رائعة بلا حوارات عدا صوت البيانو الهادئ الذي يجعلك تطفو معهما، أو تختنق إذا افترقا ..

الفيلم هادئ، مشاهده ناعمة تعكس بهجة الثنائي و شغفهما بعلاقتهم المختلفة. تبعدهما الظروف ثم يعاودان الإلتقاء و يستعديان ذات الشغف و الدفء ..



مشهد نهاية الفيلم ذكرني بنهاية فيلم Blue Valentine مع الفارق الكبير بين كليهما، لكنهما في النهاية يضعانك في نفس المأزق و تتساءل: كيف يمكن أن يضيع السحر الذي وجد يومًا بينهما ؟ و لم ؟ أيهما المخطئ ؟ هل يمكن أن تتحسن الأمور مجدداً ؟

لا أنكر أنه رغم لحظات الإفتراق و المشاكل التي دبّت بينهما إلا أنني حقدت عليهما كثيراً ! منذ البداية و قد قررت (آنا) أن تحب (جايكوب) و تصارحه في بساطة. أن يقضيا أيامًا طويلة يستكشفان ذلك الشغف بينهما. يتخذان قرارات جامحة دون تردد. يعرف كلاً منهما أن الآخر هو القطعة الناقصة التي ستكمله مهما حاول أن يستبدله بآخرين ..

أمتعني الفيلم كثيراً و أعجبتني (فيليستي جونز) لتنضم إلى قائمة قصيرة من الممثلات المتميزات اللاتي أحبهن..
تعبيرات وجهها حين أهداها (جايكوب) كرسيه الأول، ثم تعبيرات وجهها حين أحضره إلى لندن ليبقى معها !!
زفافهما القصير و كل ما تبعه من مشاهد وصولاً لرحيل (جايكوب) مجدداً و معاناة الحصول على تأشيرة دخول للولايات المتحدة ..
أعجبني جداَ إخراج (درايك دوريمس) بحركة الكاميرا المهتزة و المشاهد السريعة الموجزة و الحوارات البسيطة. إختيار الأغاني و الموسيقى كان أكثر من رائع
..

فيلم جديد يذكرك أن الحياة ليست سهلة و بسيطة كما نأمل، و أنه للأسف بمرور الأيام يضيع السحر و يُفقد شئ ما في الزحام ...

Tuesday, July 10, 2012

ثنائية تسكُـــع - 2




النهاية: Before Sunset

هذا الجزء أكثر قتامة و كآبة عن Before Sunrise و لذا وجب التنويه ..
ها قد مرت تسع سنوات.. نذكر أن آخر مرة قابلنا فيها (جيسي) و (سيلين) كانت على عتبة القطار الذي يحمل (سيلين) من فيينا إلى باريس حيث تودع يومها المميز و ذلك الأمريكي الذي رافقها خلاله..
لقد اتفقا على ألا يتبادلا أية معلومات شخصية، لا شئ أكثر من اسميهما الأولين، و وعد باللقاء بعد ستة أشهر بالضبط على عتبة نفس القطار.
تتشابك الأيدي رافضة رحيل القطار و يتبادلا قبلات متعجلة يحاولا أن يبقيا فيها ذكرى اليوم المنصرم.. ثم يرحل القطار ..

كان اللقاء بعد عام، لكن مرت تسع و ها هو (جيسي) في باريس كاتب روائي شهير يروّج لروايته الجديدة التي تحمل تفاصيل لقاء شاب أمريكي بفتاة فرنسية في فيينا و ما مرا به خلال يومٍ واحد.


- هو الكتاب ده سيرة ذاتية ؟
- هممم .. هو ... بصراحة ... مش كل حاجة في الآخر سيرتنا الذاتية ؟ 

المصادفة وحدها حملت (سيلين) لذات المكتبة التي فيها حفل التوقيع قبل فترة، هكذا ذهبت سيلين لترى (جيسي) بعد تسعة أعوام كاملة. ساعات قليلة تفصلهما عن موعد طائرة (جيسي) فيقررا أن يمضيها في التسكع في طرقات باريس.
كلاهما يبدو أكبر في العمر. (جيسي) يبدو أكثر نحافة، أكثر إرهاقًا و كأنه يحمل على كتفيه عبء عشرات الأعوام. في حين تبدو (سيلين) أكثر قلقًا، أكثر سخطًا و عصبية. تبحث عن الشابين الحالمين المغامرين اللذين التقيتهما في Before Sunrise  فلا تجدهما.
لكنك أمام نفس الشغف بالحوار، كلاهما يحكي للآخر كيف مرت تلك الأعوام بعد لقاءهما الذي لم يتم !
عاد (جيسي) إلى أمريكا و تزوج صديقته و أنجب طفلاً يتحمل من أجله برود و مشاكل زواجه، في حين تعمل (سيلين) في مجال الحفاظ على البيئة، قضت أعوامًا في أمريكا للدراسة، و ربما مرت من أمام مقهى جلس فيه (جيسي) و زوجته و لم ير أيًا منهما الآخر..



- في الشهور اللي قبل جوازي علطول كنت بأفكر فيكي طول الوقت ! يعني حتى و أنا في العربية اللي رايحة الفرح واحد من صحابي كان بيسوق، و أنا متنّح برة الشباك و بيتهيألي كأني شفتك في مكان قريب من الكنيسة.. صح ؟ كنتي ماسكة شمسية و بتمشي ناحية مطعم على ناصية شارع تلتاشر و برودواي. أنا افتكرت إني اتجننت، بس دلوقتي بأفكر إنها ممكن تكون بجد إنتي !!
- أنا كنت عايشة على ناصية شارع حداشر و برودواي !
- شفتي بقى ؟

كثيرٌ من الذكريات، بعض الشجار، نقاشات حادة عن الحب و الحياة مجدداً، لكنها هذه المرة بعد تجارب عصفت بكيان كلاً منهما. يفكرا و نفكر : كيف غيّر لقاءهما و عدم لقائهما بعده بعام في حياة كليهما ؟ 

- تفتكر كانت إيه فرص إننا نتقابل تاني ؟
- بعد ديسمبر اللي ماجيتيش فيه كنت بأقول تقريباً صفر. بس إحنا أصلاً مش ناس حقيقيين صح ؟ إحنا عاملين كده زي .. هممم .. زي ما نكون شخصيات في حلم ست عجوزة على فراش الموت، بتتخيل إنها كانت في شبابها زينا، و علشان ده حلم فطبيعي ممكن نتقابل تاني.



- الرجالة بيخرجوا معايا، و بعدين ينفصلوا عني و يتجوزوا ! بعدين خالص بقى يتصلوا يشكروني علشان علمتهم إيه هو الحب !! علشان علمتهم إزاي يهتموا و يحترموا المرأة.
- متهيألي أنا واحد من الرجالة دول.
- أنا عايزة أقتلهم ! ليه ماحدش منهم طلب مني الجواز ؟ أنا كنت هارفض، بس على الأقل حد منهم كان يتقدم !!



- إحنا بس عايشين عاملين نفسنا متجوزين وشايلين المسئولية، كل الأفكار دى اللى إزاى المفروض الناس تعيش. بس أنا بتجيلى أحلام كده، عارفة، إن أنا واقف على رصيف محطة، وانتى قاعدة تعدى عليا بالقطر، وتعدى عليا، وتعدى عليا، وتعدى عليا، لحد ما اصحى بسح عرق، وبيجيلى برضه حلم تانى، اللى أنتِ فيه... حامل، ونايمة جنبى على السرير، وببقى هاموت وألمسك، بس أنت تقوليلى بلاش.. وبعدها تبصى بعيد... وأنا... أنا.. ألمسك برضه وخلاص على كاحلك وبشرتك بتكون ناعمة أوى لحد ما اصحى وانا بتنهّد.. وألاقى مراتى قاعدة هناك بتبص عليا، وأنا حاسس إنى بعيد عنها بمليون ميل. وكنت عارف إن فيه حاجة غلط. إن أنا... يا ربى، إنى مش عارف أفضل عايش كده.. إن أكيد الحب فيه حاجة أكتر من مجرد الالتزام. بس بعد كده بفكر إنى ممكن أكون يأست من فكرة الحب الرومانسى دى على بعضها. إنى ممكن أكون نيّمتها.. فى اليوم اللى ماكنتيش موجودة فيه. أظن إن ده اللى أنا عملته.


يختتم الفيلم بـ (سيلين) تدندن مع (نينا سيمون) و هي تعد الشاي لـ (جيسي) الذي يتجاهل حقيقة أن موعد الطائرة سيفوته ليبقى مع (سيلين).. و يترك لخيالنا تصوّر النهاية !
هل سيبقى (جيسي) مع (سيلين) ليعوضا ما فاتهما ؟ هل سيلحق بالطائرة التالية ؟
سيريحنا الثنائي من التساؤل قريبًا مع صدور أخبار عن جزء ثالث للفيلم، و رغم أنني أتوجس من الرقم "ثلاثة" في الأفلام إلا أنني يحدوني الأمل في أن يكون الفيلم بجودة سابقيه..


جدير بالذكر أن فيلم Before Sunset  يحمل الكثير من الحوارات المرتجلة التي بدأت تلقائيًا بين (إيثان هوك) و (جولي ديلبي) حتى أن اسميهما كان إلى جانب اسم المخرج ريتشارد (لينكلايتر) ككتّاب للسيناريو ..


لقراءة التدوينة الأولى عن Before Sunrise  اضغط هنــــــــــــــا

Monday, July 9, 2012

ثنائية تسكُـــع - 1







تمهيد :
عندما شاهدت ثنائية (Before Sunrise - Before Sunset) وقعت في غرام "فكرة" الفيلمين .. أن تقضي ما يتعدى الساعة و النصف - للفيلم الواحد - في متابعة حالة حوارية دون أية أحداث قوية أو دراما سينمائية لهو أمرٌ مميز قطعًا. مجرد حوارات تلقائية تمامًا عن الحب و الحياة، عنهما و عن أي منا. صورة سينمائية بسيطة يغلفها سحر فيينا و باريس مع تسكع (سيلين) و (جيسي) ..



البداية : Before Sunrise



حتمًا كان مقدرًا لهما أن يلتقيا، أن يتشاركا حوارًا عابرًا في قطار، ثم فكرة مجنونة في أن يقضيا يومًا كاملاً في التسكع بين طرقات (فيينا).. 
يقول جيسي:
"طيب، طيب. فكري كده: نطي لقدام عشرة و لا عشرين سنة، أوكي ؟ إنتي دلوقتي متجوزة، بس جوازك مابقاش فيه الطاقة اللي كانت زمان. و إنتي بدأتي تلومي جوزك، هاتبدأي تفكري بقى في كل الشبان اللي قابلتيهم في حياتك و في إيه كان ممكن يحصل لو اخترتي واحد منهم يبقى جوزك .. تمام ؟ أنا بقى واحد من الشبان دول. فكري بقى في الموضوع كأنه "رحلة عبر الزمن" ! كأنك رجعتي لـ "دلوقتي" علشان تكتشفي إيه اللي فاتك. اللي هايحصل دلوقتي ده خدمة عظيمة ليكي و لجوزك المستقبلي علشان تعرفي إن مفيش حاجة فاتتك فعلاً ! أنا مجرد فاشل زيي زيه، ماعنديش طموح لحاجة، ممل جداً، و إنتي فعلاً اختارتي صح و هاتبقي أسعد مع جوزك .."

هكذا تبدأ المغامرة. مغامرة تلقائية بسيطة في الطرقات المزدحمة، الحدائق الخاوية، على طاولة مقهى يدخلانه للمرة الأولى و الأخيرة، و (بار) يتسولان منه زجاجة خمر و يسرقان كأسين فارغين..

سر الفيلم هو خلوه من أي حبكة سينمائية معتادة. لا توجد أحداث تصيبك بالملل أو بالترقب، لا دراما حقيقية أو خيانات. فقط حوارات مدهشة جال مثلها في رأسك و ربما تمنيت أن تتشاركها مع شخص غريب تمامًا عنك، بلا أحكام مسبقة أو مجاملات فارغة. فقط بهجة الحقيقة الخالية من الرتوش..


في يومهما الوحيد يلتقيان بفنان متجوّل، بقارئة كف، يصنعا مكالمة هاتفية خيالية كلٍ مع صديقه المقرب يتبادلا خلالها إنطباعاتهما عن الآخر، يتلقيان بشاعرٍ شاب يقرأ عليهما قصائده، تحدثه عن جدتها، و يحدثها عن والديه..
جدير بالذكر أن مخرج الفيلم ريتشارد لينكلايتر هو كاتبه جنبًا إلى جنب مع الكاتبة كيم كريزان و التي لم تكتب سوى هذا الفيلم !!




هذا المشهد بالأخص من مشاهد الفيلم المفضلة لي. أدرك أنه تكرر في أفلام كثيرة، لكن حين تتابع الفيلم من بدايته تدرك أنه هنا يختلف، بلا إفتعال أو إقحام. هذان الشابان يلتقيان للمرة الأولى، و نظراتهما تلك هي إنجذاب تلقائي و فضول يحاولان إخفاءه بأن ينظر كلاهما بعيداً حتى لا يلحظ رفيقه أنه كان ينظر إليه.




" أنا دايمًا واقعة تحت ضغط أنى أبقى أيقونة نسوية قوية ومستقلة، ومن غير ما أخلى حياتى كلها تلف حوالين راجل. بس إنى أحب واتحب من حد دى ليها معنى كبير أوى عندى ! إحنا دايما بنتريّـق على الموضوع ده وحركات. بس هوّ مش كل حاجة بنعملها فى حياتنا هىَّ طريقة لأننا نتحب أكتر شوية؟ "



" لما أنت كنت اتكلمت من شوية عن إزاى بعد كام سنة أى اتنين مع بعض بيبدءوا يكرهوا بعض، بأنهم يتوقعوا ردود فعل بعض، أو يزهقوا من طرق بعض. أظن إن الموضوع هايبقى العكس معايا. أظن إنى هاكون بحب بجد فعلاً لما أعرف كل حاجة عن الحد اللى معايا. الطريقة اللى هايسرّح بيها شعره. هايلبس أنهى تي شيرت النهاردة. إنى أعرف بالظبط القصة اللى هايقولها فى موقف معين. أنا متأكدة إنى ساعتها هابقى عرفت إنى بحب بجد. "



حان موعد الرحيل مع شروق شمس اليوم الجديد. على عتبة القطار الذي يحمل (سيلين) من فيينا إلى باريس حيث تودع يومها المميز و ذلك الأمريكي الذي رافقها خلاله..
لقد اتفقا على ألا يتبادلا أية معلومات شخصية، لا شئ أكثر من اسميهما الأولين، و وعد باللقاء بعد ستة أشهر بالضبط على عتبة نفس القطار.
تتشابك الأيدي رافضة رحيل القطار و يتبادلا قبلات متعجلة يحاولا أن يبقيا فيها ذكرى اليوم المنصرم.. ثم يرحل القطار ..


قد لا تحب (إيثان هوك) و ربما تجد (جولي دلبي) شخصية سمجة، لكنك في هذا الفيلم لن يمكنك إلا أن تحقد عليهما و تحبهما في آن واحد. كلاهما كان في دوره المثالي و تألقه الذي لم يتكرر حتى في الجزء الثاني من الفيلم. (إيثان) بنظراته الطفولية و شعره المنكوش و الشغف في عينيه. (جولي) بملامح الطفلة و حدة الشابة التي تجاهد حتى لا تتقولب في قوالب الأنثى المعتادة، إنجليزيتها ذات اللكنة الفرنسية الجذابة و بساطة ملابسها..
هذا الثنائي ببساطة هو الثنائي السينمائي المفضّل لي و لن أتوقف عن تمني فرصة أن أقضي يومًا كيومهما..

الترجمة العاميّة مقتبسة عن صديقي العزيز و أول من قدم لي الفيلمين محمد بلتاجي و الذي لن يوفيه الشكر حقه عن كل تلك المتع التي منحتها لي ترشيحاته السينمائية ..

شكر واجب لرفيقة التدوين إسراء بكر التي شجعتني على الكتابة مجدداً و كتبت عن لغتنا المستحدثة


لقراءة التدوينة الثانية عن Before Sunset  اضغط هنــــــــــــــا

Tuesday, March 13, 2012

حين تمجّد السينما صناعة السينما

تمهيد :
لازلت لم أكتب بعد النصف الثاني من تدوينة "سينما 2011 - الجزء الأول" لظروف إنسانية ملخصها أنني لم أشاهد بقيّة أفلام 2011 لأحكم عليها..

ما بعد التمهيد:
كان من العبث التام طبعاً أن أشاهد حفل توزيع الأوسكار و أنا لم أتم مشاهدة الأفلام المُرشّحة للجوائز، لكن عقب إعلان الجوائز كان أمامي متسع من الوقت الكافي للمشاهدة و بقي وجود المزاج الرائق للكتابة.
بدا واضحًا أن العام هو عام "تكريم السينما" فنجد أن الفيلمين الفائزين بالجوائز الكبرى هما فيلمان موضوعهما الرئيسي "السينما". بين فيلمي "الفنان- The Artist" و "هيوجو Hugo" تدور التدوينة التالية.


The Artist
إنه العام 1927 و السينما الصامتة لازالت تبهر الجماهير. (جورج فالنتين) نجمها الساطع الذي يتعثّر في شابة حسناء من معجباته هي (بيبي ميلر) التي تتقدم للعمل ككومبارس في أحد أفلامه، و حين يوشك المنتج على طردها يتحمّس لها (فالنتين) لتؤدي معه مشهداً قصيراً لتبدأ خطواتها في التقدم تباعًا، في حين يأفل نجم (فالنتين) بدخول السينما المتكلمة و تمسكه هو بالصامتة.


لن أدّعي أنني شاهدت أفلامًا صامتة من قبل و بالتالي فالتجربة كانت مختلفة تمامًا بالنسبة لي، و ممتعة جداً في الواقع.
الإعتماد الكامل على الموسيقا و تعبيرات الوجه إلا فيما ندر هي الصورة المثالية للحياة كما أراها. أقل ضجيجًا، أكثر عمقًا.. أعترف أنني لست من عشاق المونولوجات أو الحوارات الطويلة، بل أفضّل أقل قدر من الحوار ما دامت العناصر الأخرى في الفيلم قادرة على أن توصل لي الفكرة و المشاعر التي بالمشهد.

تقول زينب - و هي الأكثر خبرة مني في السينما - أن الفيلم Overrated و أنه لا يستحق كل هذا الثناء، هو فيلم جميل و ثري بالمشاعر، لكن الإهتمام المبالغ فيه هو مجرد تكريم للسينما الصامتة. في الواقع زينب صادقة؛ فرغم إعجابي بالفيلم فأنا واثقة أن جزء كبير من هذا الإعجاب هو إدماني لـ غير المألوف و حبي للسينما الإنسانية البعيدة عن الإبهار، و الأكثر بساطة دومًا. و لهذا فإن حكمي على الفيلم بالتأكيد حكم غير حيادي و لا يمكن الإعتداد به خارج جدران هذه التدوينة.
في الوقت نفسه أذكّر زينب أن سقف تقييم الأفلام قد هبط من 10 إلى 8، أو كما كان يقول أستاذي في الجامعة (The highest is the new maximum) أي أن أعلى درجة يمكن منحها لتقييم فيلم الآن هي النهاية القصوى، بالتالي فعملية التقييم أصبحت عملية نسبية لا عملية مطلقة..


أعجبني في الفيلم بساطته الشديدة. إبتسامة (جان دوجردان) المبهجة، بساطة العلاقة بينه و بين (بيرنيس بيجو) التي قدمت دور (بيبي ميلر). هناك مشاهد مميزة في الفيلم طبعاً لا يمكن أن نتغاضى عنها، أهمها مشهد الكابوس الناطق الذي يسمع فيه (جورج) أصوات كل الأشياء من حوله عدا صوته..
أنا أحببت الفيلم ببساطة .. و أحببت إطراءه على السينما و تبجيله لها .. و كفى


Hugo
أنا ظلمت هذا الفيلم ... هذا إعتراف صريح مني بتسرعي في الحكم على الفيلم قبيل مشاهدته، ربما لأنني كنت متوجسة جداً من تجربة (مارتن سكورسيزي) في فيلم مغامرات طفولي نوعاً، و ثلاثي الأبعاد !! تبًا .. ما هذا !!؟
في الواقع أحمد سألني قبل حفل الأوسكار عن الفيلم، فأخبرته بأنني لم أشاهده، فأكد لي أن (سكورسيزي) ببساطة "علّم" على صناع الـ 3D  في صمت..
برخامة أخبرته أن الفيلم الجيد هو الفيلم الذي لا يعتمد على المؤثرات البصرية فقط، و أنه لو كان (سكورسيزي) قد قدّم فيلمًا مبهراً بصرياً فقط فتبًا له و لفيلمه !!
ثم جاءت الأوسكار، و بدأت بداية حامية لصالح (هوجو) الذي اكتسح معظم الجوائز التقنية، لأتململ في مكاني ضجراً من هذا الهوس المبالغ فيه.
في الواقع بعد أنا شاهدت الفيلم لم يتغير رأيي كثيراً، لكنه تغيّر. اتضح ببساطة أن الفيلم "جميل" و يتعدى كونه فيلماً مبهراً مسليًا و كفى.
(هوجو) الطفل الصغير الذي يسكن في محطة القطار، و يعيش فعليًا بداخل الساعات العملاقة بالمحطة و التي يعمل على تشغيلها و ضبطها و صيانتها بعد وفاة والده و إنتقاله للعيش مع عمه. لكن هناك لغز يرغب (هوجو) في حله بشدة، و حل اللغز يقوده لسر حرص صاحبه على إخفاءه لأعوام طويلة.

(جورج ميلياس)  شخصية حقيقية.. مخرج فرنسي بدأ عمله كساحر في مسارح باريس، ثم شاهد عرضًا سينمائياً للأخوين (لوميير) سحره في التو و رغب بشدة في شراء هذا الصندوق السحري الذي يحمل الصور بداخلها و يديرها أحدهم لعرض الصور، لكنهما رفضا عرضه، لذا عمل (جورج) على صناعة كاميرته الخاصة و خاض عدداً من تجارب الإخراج ليتوقف عن العمل السينمائي عام 1923  و ينزوي عن الأضواء تماماً و يعمل كبائع للحلوى و ألعاب الأطفال في محطة القطار..
الجزء الخاص بـ (جورج ميلياس) تم نقله كما هو بحذافيره في الفيلم.. البعض اعترض قائلاً: "كان يمكن لسكورسيزي أن يقدم فيلمًا وثائقيًا عن حياة (ميلياس) و لا داعي لكل هذه القصة الطويلة العريضة !" .. يبدو هذا حلاً لطيفًا، لكن من قال أن هذا هو المطلوب ؟ في الواقع الكثير من الأفلام الناجحة دارت حول حيوات أشخاص حقيقيين تم تناولها سينمائيًا بشكلٍ ساحر و مميز مجّد هذه الشخصيات بتاريخها و الدراما التي دارت حولها..

إذن نحن أمام فيلمًا آخر يمجد السينما القديمة و بدايتها و أحد الشخصيات التي أبدعت فيها، و بصراحة أغرمت في التو بسحر التصوير القديم لأفلام (ميلياس) و تلك الخدع البسيطة التي ابتكرتها العقول في زمنٍ لم يعرف الخدع البصرية و التكنولوجيا الحديثة ليضفي سحراً خاصًا على السينما القديمة و التي كان مخرجوها يقومون بتلوينها لقطة لقطة، و حين أقول لقطة فأنا أقصد Frame by Frame 


بين الفيلمين 
إذن وفقًا لترشيحات و جوائز الأكاديمية الأمريكية للعلوم و الفنون أهم أفلام العام هما فيلمان يتناولا السينما القديمة بكل ذلك السحر الذي بدأت به، و سوياً يصنع الفيلمان صورة مكتملة، فأحدهما غلب عليه الطابع القديم بلا ألوان، بلا صوت، بحركات بسيطة للكاميرا، و إنفعالات صامتة للممثلين. و الآخر بدا في صورة أبهى بحركات سريعة مبهرة للكاميرا، مع إستخدام الـ 3Dimensions  و الألوان الأخاذة. هوّة واسعة فصلت بين الفيلمين جعلت أحدهما يغلب الآخر في الإبهار فيحصل على الجوائز التقنية، و الآخر يغلب في إنسانيته فيحصل على جوائز التمثيل و الإخراج. ربما الشئ الوحيد الذي اجتمع عليه الفيلمان بجانب تمجيد السينما هو الموسيقى الساحرة لكلٍ من لودافيك بورس الذي حصل على الأوسكار بالموسيقى الأوركستراية القوية التي صاحبت فيلم The Artist طوال عرضه، و بين هوارد شور و موسيقاه المبهجة اللطيفة التي صاحبت Hugo   طوال حركته و مشاهد باريس الجميلة.


و حتى أختم هذه التدوينة الطويلة نهاية لطيفة فقد اخترت مقطوعتين موسيقيتين من الفيلمين .. الأولى هي الموسيقى الرئيسية في فيلم  The Artist و التي ارتبطت بشخصية (جورج فالنتين) و البهجة التي كان يشعها على الشاشة..




الثانية هي الموسيقى الجميلة اللي ألفها هوارد شور مع صوت المطربة الفرنسية الرقيقة Zaz بهجة و رقة و جمال مطلقين ..