Friday, August 30, 2013

Before Midnight - كيف وصلنا لهنا ؟



تنبيه هام : هذه التدوينة هرتلة شخصية بحتة لا علاقة لها بنقد الفيلم أو خلافه ! كما أنها تُفسد الفيلم تمامًا لمن لم يشاهده بعد. اقرأ على مسئوليتك الشخصية ..

منذ عام تقريبًا قررت الكتابة عن ثنائية (Before Sunrise - Before Sunset) إذ أنها تمثل لي يوتوبيا العلاقات الإنسانية. كنت وقتها أعرف بمشروع الفيلم الثالث بعد تسع سنوات جديدة، و أبديت تخوفي مما يمكن أن يحدث في (Before Midnight) ..
ثم شاهدتُ الفيلم.. الثنائي المثالي الذي أحببته منذ الجزء الأولى، و ازداد التعلق به مع الجزء الثاني بتفاصيلهما و تعقيدات حياتيهما. تسع سنوات أخرى قد مرّت منذ آخر مرة شاهدنا فيها (جيسي) يتجاهل طائرته ليجلس لمشاهدة (سيلين) تغني لـ (نينا سيمون) و هي تتمايل في حين تعد الشاي..
حينها تمنيت – كما الكثيرون – أن أعرف ماذا سيحدث بعدها، و بعدها هذه تعني تسع سنوات كاملة من عمريهما و أعمارنا. (جيسي) انفصل عن زوجته الأمريكية و يبدو أن علاقته بابنه تؤرقه بإبتعاده عنه في السنوات الأهم في عمره، خاصة مع كراهية الزوجة السابقة لزوجها و والد ابنها، ذلك الذي تركها من أجل الفرنسية التي قضى معها يومين فقط يفصلهما تسع سنوات !
هناك توأم لطيف كذلك (إيلا) و (نينا) و محادثة بين (جيسي) و (سيلين) عن تعقيدات كونهما والدين و كيف يؤديان مهمتهما مع إجماعهما على كونهما "
Shitty parents" ..
في منزل مضيف العائلة الكاتب اليوناني يدور حوار رائع بين الجميع، أشخاص جدد يشاركون الثنائي في النقاش حول العلاقات العاطفية و الزواج. يبدو أن هناك توتر طفيف بينهما يتعلق بشعور (جيسي) بالتقصير تجاه ابنه الصغير، و منه يصل لـ (سيلين) رغبته في الإنتقال إلى شيكاجو – رغم أنه لم يصرح بذلك – و تجد فيها مبرراً لتسخط عليه !
الحديث على المائدة كان عظيمًا حقًا !
تقول (آنا) :
- لما بأسمع حكاياتكم دي، باسأل نفسي إذا كانت فكرة الحب الأبدي دي لسه موجودة ! أنا عارفة إننا هاننفصل في النهاية.. جدتي كتبت رسالة لعيلتها كلها و هي على فراش الموت. ستة و عشرين صفحة استهلكت منهم تلات صفحات و هي بتحكي عن لبس صممته لمسرحية. كتبت عن صحابها كلهم، و عن جدي كتبت بالظبط تلات جمل: "راح الحرب"، "اتنقلنا بسبب شغله"، "مات" ! نصيحتها كانت: "ماتستهلكيش نفسك في الحب و الرومانسية، الصداقة و الشغل هما السعادة" ..

(آنا) رغم رأيها ذلك إلا أنها تتمسك بالإلتصاق بصديقها حتى أنهما يتركا كاميرا محادثات الـ (Skype) مفتوحة حتى أثناء نومهما ليتخطا المسافة و الإبتعاد الملموس !


لكن يبدو أننا سنلتصق أكثر بواقعية الحياة بعد الإرتباط، بعيداً عن مصطلح "Happly Ever After" . بسهولة الإنفصال رضوخًا للمشاكل التقليدية التي تصاحب الإنتقال من كون المرء بمفرده، إلى كونه جزء من عائلة يتحمل مسئوليتها و يتشارك مع "رفيق روحه" – و هو المصطلح الذي ترفضه (آريادني) – في الخوض فيها..
(آريادني) و زوجها (ستيفانوس) قررا تطوير نظام فيما بينهما للتعايش، وضعت هي سقفًا منخفضًا لطموحها معه و آمالها فيه، و قررا أنهما مختلفان عن بعضهما البعض فتوقفا عن محاولة التغيير في الآخر و تقبله كما هو. في حين أن (باتريك) الكاتب اليوناني العجوز اعترف أنه و زوجته كانا قد قررا منذ البداية ألا معنى لكونهما (واحد) و عليهما أن يتعايشا بواقع أنهما (اثنان) على كلٍ منهما الإعتناء بذاته على أن يجدا بعض المساحة المشتركة للتقابل في المنتصف..
يقول (باتريك):
- في آخر اليوم بتكتشف إن مش المهم حبك لشخص تاني، لكن المهم حبك للحياة نفسها ..
و تحكي (ناتاليا) الأرملة العجوز عن زوجها:
- أكتر حاجة بأفتقدها نومه جنبي و لما بيمد دراعه عشان يحضنني فأكتم نَفَسي علشان ما أتحركش. ده كان بيحسسني بالأمان. بأفتقد تصفيره في الشارع، و لما أقول حاجة دلوقتي و أفكر تعليقه كان هايبقى إيه. من فترة بقيت بأنسى تفاصيل كتير، و بقيت بأحس كأني بأفقده تاني ! عشان كده بقيت كل يوم الصبح أحاول أفكر نفسي كل تفصيلة في وشه. لون عينيه و شفايفه و ملمس شعره. ساعات حاجات بتروح مني، و ساعات بأحس كأني شيفاه. كأن فيه غيمة انزاحت و هو ظهر و إني ممكن ألمسه. بعدين العالم يخبطني تاني و ذكراه تروح و يختفي. كل يوم يظهر و يختفي زي الشروق و الغروب. زي حياتنا. نظهر و نختفي، نبقى مهمين لشوية ناس بس في النهاية إحنا (عابرون) يادوب بنعدّي ..
أحسب أن (ناتاليا) و حكايتها القصير هما الرومانسية الوحيدة التي بالفيلم. صدق الإرتباط و التعلق بالحبيب إلى النهاية و تخطي المشاكل التي يتعايش معها الآخرون إلى حين يفشل البعض، أو تفتر العلاقة بين البعض الآخر و يقررا مجرد المضي..


في الطريق إلى الفندق الذي قام (ستيفانوس) و (آدرياني) بدعوتهما على قضاء ليلة فيه يدور حوار جديد ممتع يذكرنا بتلك الحوارات التي تدور بينهما حين يبدأا التسكع في الطرقات.
- أنا عارف كل حاجة عنك. أنا أكتر واحد يعرفك على الكوكب ده ..
- ما أظنش ! إحنا دلوقتي حلوين و قريبين من بعض، بس كتير بيتهيألي إني بأتنفس أكسجين، و إنت بتتنفس هيليوم !
- بص يا (جيسي) لو عايزين نعرف بعض كويس متهيألي هانبقى محتاجين نفهم نفسنا الأول كويس !
-همممم .. 
و في الفندق يبدأ بداية رومانسية هادئة، ثم تبدأ الشرارة في الإشتعال و الحدة في التزايد مع النقاش مجدداً حول السفر إلى الولايات المتحدة. عودوا إلى أرض الواقع أيها المشاهدون الحالمون ببقاء الثنائي المثالي على حاله. كل المثالية تنتهي تحت وطأة الضغط اليومي للمنزل و الأسرة إلى جانب العمل.
- من يذهب بالأطفال إلى المدرسة ؟ من يحضرهم ؟ ماذا نفعل في المنزل حتى عودتك من العمل في السادسة ؟
- ماذا أفعل بعد أن أعود من العمل في السادسة لأرعاهما و أهتم بالمنزل ؟ هل تعرف اسم طبيب ابنتيك ؟
- لماذا لا نخوض نقاشًا متعقلاً عن الأمور ؟
- متعقلاً ؟ هل أصبحت أنا الآن الهيستيرية المجنونة بكل تلك الهرمونات فقط لأن لدي مشاعر ؟

تحاول أنت الآن إلتقاط أنفاسك و أنت تشهد المشاجرة الحادة الأولى لـ (جيسي) و (سيلين). و يبدأا هما حواراً متعقلاً اهدأ قليلاً، لكنك تتلمس عصبية و تحيز (سيلين). المرأة التي لا تجد وقتًا للتفكير إلا حين تقضي حاجتها في العمل، و لا تجد وقت لممارسة هواياتها السابقة في حين أنه حين يواتيه الإلهام ينهمك في الكتابة ..
- إنتي اللي بتحبي تاخدي بالك من العالم كله. من البنات، من البيت، من صحابك.. أنا طلبت منك كتير تاخدي بالك من نفسك.. أنا نفسي ترجعي تغني تاني. أنا خربت حياتي كلها بسبب غناكي ! لو استهلكتي تُمن الطاقة اللي بتضعيها في التذمر من حياتك و مسئولياتك على الحاجات اللي بتحبيها، كنتي هاتبقي عظيمة !
هكذا تحمل (سيلين) حقيبة يدها و تنهي حواراً هادئًا بأن تخرج مندفعة – حافية – من غرفة الفندق، لتعود بعدها بلحظات قليلة لتكمل المشاجرة !
- إنت عارف يعني إيه ست ناشطة و شغوفة يبقى عندها مسئولية أطفال ؟ صحابي قالولي إني هايبقى عندي رغبة أرميهم من الشباك ! بس أنا في الواقع عمري ما فكرت في أي أذى ليهم، في المقابل فكرت أنتحر مية مرة ! تعرف كام مرة كنت مع البنات و هما بيعيطوا و إنت مسافر و أنا مش عارفة أعملهم إيه ؟ عارف الذنب اللي بتحسه أي أم لما ماتبقاش عارفة تعمل إيه ؟ كنت بأحطهم في عربيتهم و أفضل أزقها طول الليل في شوارع باريس لغاية ما يناموا.. أنا أكبر مخاوفي كانت إن أي رجل يحولني لست بيت عاجزة ..
- إنتي مجنونة .. ماحدش يقدر يحوّلك لست بيت عاجزة !
- عارف إيه اللي بيحصل هنا ؟ ببساطة أنا متهيألي إني مش بحبك خلاص !

كيف وصلنا لهنا ؟؟ كيف انتقلنا من: "One single night with you little Jesse , Is worth a thousand with anybody" إلى "It’s simple, I don’t think I love you anymore" !!
هل انتهيا هكذا ؟ في الواقع لا .. هناك مشهد يمنحك بعض الأمل في الإستمرار، يمكننا دومًا أن نواجه منعطفات حادة في علاقتنا العاطفية لكن الرغبة في الإستمرار و التخطي هي التي تمنح العلاقة عمقًا و نضجًا أكثر ..

صديقتي العزيزة إسراء ترى المشاجرات في الفندق سخيفة، رغم أنها – من وجهة نظرها – انتصرت لرأيها في أنهما سينفصلا في النهاية، كما أنها افتقدت - و أنا مثلها - حواراتهما في الهواء الطلق، و السير في الطرقات بلا هدي..
كنت أقول لها أن المنطقي بالفعل أنهما سينفصلا ! لا أحد يمكن أن ينخرط في علاقة ناجحة لمجرد لقاءه بشخصٍ آخر لمدة يومين يفصلهما تسع سنوات. الفكرة رومانسية حالمة و بعيدة كل البعد عن الواقع. يرتبط البعض لأعوامٍ طويلة ثم ينفصلا تحت الضغوط اليومية ! لكنهما بالنسبة لي كانا حلمًا أمنّي نفسي بإستمراره. مشاجرة الفندق مثّلت لي صفعة الواقع التي توقظني من هذه المثالية، فالأمور دومًا أكثر تعقيداً، و هذه المرة هناك شكوك، غيرة مهنية، هيستيريا أنثوية حادة من (سيلين). كل هذا الصراخ و السباب الذي يهدم ثنائيتهما و أفكارنا البلهاء عن الحب..

هل كرهت الفيلم ؟ إطلاقًا !! أنا أحببته ربما أكثر من سابقيه، لكن الأمر أننا أحيانًا نستغل الفن أو الأدب للهروب من الواقع بسخافاته لرحابة المستحيل و المثالية.. ربما ينقص الفيلم أشياء قليلة تجعله أكثر روعة، لكنه بحالته تلك مكتمل. بعض الأشياء أروع بعدم إكتمالها..
لن يمكنك أبداً أن تمل أثناء مشاهدة أيًا من الثلاثية. الأمر لا يتعلق بكونها محادثات متتالية، لكنها تجارب و حيوات تعرض أمامك بواقعية و صدق لن تجدهما في أي عمل فني آخر..

في النهاية يقول صديقي العزيز محمد ما أحب أن أختم به :
الفيلم خلص وأنا نفسى يكملوا مع بعض وأنا المرة دى عارف أنهم إزاى كملوا مع بعض قبل كده وليه ممكن مايكملوش بعد كده، فى لمحة شريرة بأن أجمل قصص الحب هى غير المكتملة، وبرضه فكّرت إن الكلام بين شخصيتين خياليتين فى السينما فى ساعة ونص ممكن يكون أصدق وأنضج وأجمل وأكثر ثراء وتعبيرًا من الكلام بين شخصيات حقيقية كتير فى الواقع بتاخد منهم سنين..



1 comment: