Tuesday, March 13, 2012

حين تمجّد السينما صناعة السينما

تمهيد :
لازلت لم أكتب بعد النصف الثاني من تدوينة "سينما 2011 - الجزء الأول" لظروف إنسانية ملخصها أنني لم أشاهد بقيّة أفلام 2011 لأحكم عليها..

ما بعد التمهيد:
كان من العبث التام طبعاً أن أشاهد حفل توزيع الأوسكار و أنا لم أتم مشاهدة الأفلام المُرشّحة للجوائز، لكن عقب إعلان الجوائز كان أمامي متسع من الوقت الكافي للمشاهدة و بقي وجود المزاج الرائق للكتابة.
بدا واضحًا أن العام هو عام "تكريم السينما" فنجد أن الفيلمين الفائزين بالجوائز الكبرى هما فيلمان موضوعهما الرئيسي "السينما". بين فيلمي "الفنان- The Artist" و "هيوجو Hugo" تدور التدوينة التالية.


The Artist
إنه العام 1927 و السينما الصامتة لازالت تبهر الجماهير. (جورج فالنتين) نجمها الساطع الذي يتعثّر في شابة حسناء من معجباته هي (بيبي ميلر) التي تتقدم للعمل ككومبارس في أحد أفلامه، و حين يوشك المنتج على طردها يتحمّس لها (فالنتين) لتؤدي معه مشهداً قصيراً لتبدأ خطواتها في التقدم تباعًا، في حين يأفل نجم (فالنتين) بدخول السينما المتكلمة و تمسكه هو بالصامتة.


لن أدّعي أنني شاهدت أفلامًا صامتة من قبل و بالتالي فالتجربة كانت مختلفة تمامًا بالنسبة لي، و ممتعة جداً في الواقع.
الإعتماد الكامل على الموسيقا و تعبيرات الوجه إلا فيما ندر هي الصورة المثالية للحياة كما أراها. أقل ضجيجًا، أكثر عمقًا.. أعترف أنني لست من عشاق المونولوجات أو الحوارات الطويلة، بل أفضّل أقل قدر من الحوار ما دامت العناصر الأخرى في الفيلم قادرة على أن توصل لي الفكرة و المشاعر التي بالمشهد.

تقول زينب - و هي الأكثر خبرة مني في السينما - أن الفيلم Overrated و أنه لا يستحق كل هذا الثناء، هو فيلم جميل و ثري بالمشاعر، لكن الإهتمام المبالغ فيه هو مجرد تكريم للسينما الصامتة. في الواقع زينب صادقة؛ فرغم إعجابي بالفيلم فأنا واثقة أن جزء كبير من هذا الإعجاب هو إدماني لـ غير المألوف و حبي للسينما الإنسانية البعيدة عن الإبهار، و الأكثر بساطة دومًا. و لهذا فإن حكمي على الفيلم بالتأكيد حكم غير حيادي و لا يمكن الإعتداد به خارج جدران هذه التدوينة.
في الوقت نفسه أذكّر زينب أن سقف تقييم الأفلام قد هبط من 10 إلى 8، أو كما كان يقول أستاذي في الجامعة (The highest is the new maximum) أي أن أعلى درجة يمكن منحها لتقييم فيلم الآن هي النهاية القصوى، بالتالي فعملية التقييم أصبحت عملية نسبية لا عملية مطلقة..


أعجبني في الفيلم بساطته الشديدة. إبتسامة (جان دوجردان) المبهجة، بساطة العلاقة بينه و بين (بيرنيس بيجو) التي قدمت دور (بيبي ميلر). هناك مشاهد مميزة في الفيلم طبعاً لا يمكن أن نتغاضى عنها، أهمها مشهد الكابوس الناطق الذي يسمع فيه (جورج) أصوات كل الأشياء من حوله عدا صوته..
أنا أحببت الفيلم ببساطة .. و أحببت إطراءه على السينما و تبجيله لها .. و كفى


Hugo
أنا ظلمت هذا الفيلم ... هذا إعتراف صريح مني بتسرعي في الحكم على الفيلم قبيل مشاهدته، ربما لأنني كنت متوجسة جداً من تجربة (مارتن سكورسيزي) في فيلم مغامرات طفولي نوعاً، و ثلاثي الأبعاد !! تبًا .. ما هذا !!؟
في الواقع أحمد سألني قبل حفل الأوسكار عن الفيلم، فأخبرته بأنني لم أشاهده، فأكد لي أن (سكورسيزي) ببساطة "علّم" على صناع الـ 3D  في صمت..
برخامة أخبرته أن الفيلم الجيد هو الفيلم الذي لا يعتمد على المؤثرات البصرية فقط، و أنه لو كان (سكورسيزي) قد قدّم فيلمًا مبهراً بصرياً فقط فتبًا له و لفيلمه !!
ثم جاءت الأوسكار، و بدأت بداية حامية لصالح (هوجو) الذي اكتسح معظم الجوائز التقنية، لأتململ في مكاني ضجراً من هذا الهوس المبالغ فيه.
في الواقع بعد أنا شاهدت الفيلم لم يتغير رأيي كثيراً، لكنه تغيّر. اتضح ببساطة أن الفيلم "جميل" و يتعدى كونه فيلماً مبهراً مسليًا و كفى.
(هوجو) الطفل الصغير الذي يسكن في محطة القطار، و يعيش فعليًا بداخل الساعات العملاقة بالمحطة و التي يعمل على تشغيلها و ضبطها و صيانتها بعد وفاة والده و إنتقاله للعيش مع عمه. لكن هناك لغز يرغب (هوجو) في حله بشدة، و حل اللغز يقوده لسر حرص صاحبه على إخفاءه لأعوام طويلة.

(جورج ميلياس)  شخصية حقيقية.. مخرج فرنسي بدأ عمله كساحر في مسارح باريس، ثم شاهد عرضًا سينمائياً للأخوين (لوميير) سحره في التو و رغب بشدة في شراء هذا الصندوق السحري الذي يحمل الصور بداخلها و يديرها أحدهم لعرض الصور، لكنهما رفضا عرضه، لذا عمل (جورج) على صناعة كاميرته الخاصة و خاض عدداً من تجارب الإخراج ليتوقف عن العمل السينمائي عام 1923  و ينزوي عن الأضواء تماماً و يعمل كبائع للحلوى و ألعاب الأطفال في محطة القطار..
الجزء الخاص بـ (جورج ميلياس) تم نقله كما هو بحذافيره في الفيلم.. البعض اعترض قائلاً: "كان يمكن لسكورسيزي أن يقدم فيلمًا وثائقيًا عن حياة (ميلياس) و لا داعي لكل هذه القصة الطويلة العريضة !" .. يبدو هذا حلاً لطيفًا، لكن من قال أن هذا هو المطلوب ؟ في الواقع الكثير من الأفلام الناجحة دارت حول حيوات أشخاص حقيقيين تم تناولها سينمائيًا بشكلٍ ساحر و مميز مجّد هذه الشخصيات بتاريخها و الدراما التي دارت حولها..

إذن نحن أمام فيلمًا آخر يمجد السينما القديمة و بدايتها و أحد الشخصيات التي أبدعت فيها، و بصراحة أغرمت في التو بسحر التصوير القديم لأفلام (ميلياس) و تلك الخدع البسيطة التي ابتكرتها العقول في زمنٍ لم يعرف الخدع البصرية و التكنولوجيا الحديثة ليضفي سحراً خاصًا على السينما القديمة و التي كان مخرجوها يقومون بتلوينها لقطة لقطة، و حين أقول لقطة فأنا أقصد Frame by Frame 


بين الفيلمين 
إذن وفقًا لترشيحات و جوائز الأكاديمية الأمريكية للعلوم و الفنون أهم أفلام العام هما فيلمان يتناولا السينما القديمة بكل ذلك السحر الذي بدأت به، و سوياً يصنع الفيلمان صورة مكتملة، فأحدهما غلب عليه الطابع القديم بلا ألوان، بلا صوت، بحركات بسيطة للكاميرا، و إنفعالات صامتة للممثلين. و الآخر بدا في صورة أبهى بحركات سريعة مبهرة للكاميرا، مع إستخدام الـ 3Dimensions  و الألوان الأخاذة. هوّة واسعة فصلت بين الفيلمين جعلت أحدهما يغلب الآخر في الإبهار فيحصل على الجوائز التقنية، و الآخر يغلب في إنسانيته فيحصل على جوائز التمثيل و الإخراج. ربما الشئ الوحيد الذي اجتمع عليه الفيلمان بجانب تمجيد السينما هو الموسيقى الساحرة لكلٍ من لودافيك بورس الذي حصل على الأوسكار بالموسيقى الأوركستراية القوية التي صاحبت فيلم The Artist طوال عرضه، و بين هوارد شور و موسيقاه المبهجة اللطيفة التي صاحبت Hugo   طوال حركته و مشاهد باريس الجميلة.


و حتى أختم هذه التدوينة الطويلة نهاية لطيفة فقد اخترت مقطوعتين موسيقيتين من الفيلمين .. الأولى هي الموسيقى الرئيسية في فيلم  The Artist و التي ارتبطت بشخصية (جورج فالنتين) و البهجة التي كان يشعها على الشاشة..




الثانية هي الموسيقى الجميلة اللي ألفها هوارد شور مع صوت المطربة الفرنسية الرقيقة Zaz بهجة و رقة و جمال مطلقين ..